مقالات
عزل الفن البصري الحقيقي الراقي عن المجتمع وتسليعه وحجبه داخل المتاحف والقنوات المدفوعة هو السبب الأساسي لتدهور الذوق الفني، وتلوث الذائقة الفنية للفرد من الفضاء العام، مما يؤدي إلى التطرف.
تسأل كيف ذلك؟
أجيب الفن هو مقياس الحضارة والإنسانية فتطور الفن يعني تطور الإنسانية أخلاقياً وهو مانفتقده اليوم.
تغييب الفن الحقيقي الراقي عن المجتمع فتح المجال للفن التافه بأن يعوّم.
هنا لابد لهذا الفن بأن يسهم بتدهور الحالة النفسية للذائقة الإنسانية.
كيف ذلك؟
يقاس تطور الإنسان حضارياً وإنسانياً، بتطور العلم الثقافة والفن، بمعنى التطور المعرفي الذي يهذب الشعور والسلوك السوي، طبعاً هذا مايقوله علم النفس التطوري، فإذا اختل هذا الميزان وغاب العامل الثقافي والفني المهَذِب طغى الجانب الأناني على النفس وعاد إلى الظهور الجانب المتطرّف.
يوجد تطور علمي هائل لكن لايوجد تطور حضاري إنساني فني على نفس السوية أو بنفس الدرجة، حتى يتوازن المجتمع، وغياب هذا التوازن قد يؤدي إلى خلل كبير وإنتكاس في القيم، وأكبر دليل هو الإنتكاس نحو العنصرية والتطرّف، لدى الجميع تقريباً حتى أرقى الشعوب مدنيةً.
ومرجع هذا الوضع هو عدم تطور الفنون ورفع الذائقة العامة للمجتمعات وبالتالي رفع الذائقة الجمالية صاحبة الفعالية في تطوير وسمو الأخلاق العامة، ولذلك احتكار الفنون وتسليعها ساهم في هذا الإنحطاط الفكري والحضاري للمجتمعات الإنسانية، وكذلك ساهم في انتشار التفاهة الفنية المثيرة للغريزة أيضاً، مما يسبب تطرّف من نوع آخر وهو إنحلال الذوق العام وبالتالي الإنفلات الأخلاقي وهذا ماهو واضح للجميع من ازدياد انتشار الدعارة والمخدرات والجريمة في مجتمعات مختلفة بسرعة رهيبة حسب الإحصائيات للمنظمات المختصة على مستوى العالم.
هذا التدهور مرّت به المجتمعات كثيراً على مر التاريخ، فمرّةً بصعود ومرّة بهبوط، لكن بالتقدم العلمي الهائل وزيادة الحجم السكاني الحالي، وإذا لم يجد العالم الحلول سريعاً سيكون الوضع كارثي ولن يسلم منه أحد، وسيودي بالبشرية إلى حتفها المحتوم.
إذاً ما الحل؟
قد تتعجّب إذا قلت لك أن ا لحل بسيط وغير مكلف على الإطلاق.
الحل في التخلص من الجشع، نعم الجشع والتغول الإقتصادي الوهمي.
فائض الإنتاج العالمي للأشياء التافهة التي ينتجها هذا الإقتصاد الفاشل والغير ضرورية مطلقاً + كلفة إنتاج الأسلحة، تكفي لجعل البشرية تعيش بهناء وسلام وتنتج احتياجاتها بشكل مستدام إلى مالانهاية، ويقضى على الجهل والفقر والأمراض المفتعلة، وتسمو الإنسانية وتتطور الفنون، والجمال، مما يحقق الأسمى للبشرية وهو العيش بسعادة، وكل ذلك، لن تصدّق الفترة الزمنية التي يمكن تحقيق ذلك بها، فقط 10 سنين نعم فقط.
إذا أردت أن تعرف كيف، فيمكنك الذهاب إلى العم غوغل إذ عليك أن تبذل جهداً أنت أيضاً لتحصل على المعلومة ولا تتكل عليّ.
أنا سأقول لك أحد الحلول الأساسية وليس كلّها وهي محو أميتك البصرية.
محو الأمية البصرية هي أحد أهم أسباب تطورنا معرفياً وقيميّاً.
فنحن نستقي معلوماتنا من عيوننا، من الصور التي نراها ونحللها ونخزنها في أدمغتنا، وبقدر مايكون تحليلنا منطقياً للمعلومات بقدر ماتتشكل لدينا المعرفة السويّة، ولا يتم ذلك إلّا بوعينا التام لما نراه، وتحليله بطريقة واعية تستند على أسس بصرية ذات دلالة صحيحة، وهذه الدلالة لاتكون إلّا بمعرفة الأسس والعناصر التي تقوم عليها اللغة البصرية.
العين تشكل 95% من مدى معرفتنا الحسيّة و 5% لباقي الحواس، فتصور كمية المعلومات البصرية التي نتلقّاها خصوصاً في وقتنا الراهن المسمّى عصر الصورة والإتصالات البصرية.
بغياب الوعي والتحليل البصري السليم سنكون بحالةعمى تام وغياب عن المعنى والهدف والتوظيف لأي صورة نراها، كمن نرى ولا نرى.
الضخ البصري الهائل عبر وسائل التواصل الإجتماعي، تصل إلى المليارات، نعم مليارات سنوياً، ومنها شهرياً بكل موقع، إن كان الفيس بوك أو انستغرام وغيرها، فلكم أن تتخيلوا حجم الأرقام وخطورتها.
لماذا نتعلم اللغة البصرية؟
هناك أسباب نفسية وفلسفية مثيرة للاهتمام في اللغة البصرية بحيث تعلمنا الانعكاسات والأسباب التي تجعلها طريقة أفضل من مجرد التجربة لمجرد نزوة معرفية.
عقلنا يعمل على أساس الاستقطاب.
إذا كنا لانعرف أهمية اللون فلن نفهم ماهية الجمال بالطبيعة
إذا لم ندرك أهمية الضوء وتفاصيله، لن نفهم أسّ حياتنا
إذا كنت لا تفهم أحدًا وتقدره ، فمن الصعب أن تفهم وتقدر الآخر تمامًا.
العلاقة بين مانراه وإدراكنا لقيمته يشكل الفهم الصحيح والمجرد
بوعينا ، إذا كنّا لا نحب، ونتجنب شيئًا ما ، ولكن على مستوى اللاوعي ، غالبًا ما يكون هناك شيء ما حولنا يغرينا ، أو نحتاجه ، على الرغم من أننا قد لا نعتقد ذلك.
إذا كنت معتاد دائمًا أن ترى صور طبيعية ذات تركيز ناعم وسلمي ، فهل هناك شيء أيضا يتعلق بمواقف الصراعات الحادة داخل فكرك التي تحتاج إلى فهمها واحتضانها؟
إذا كنت تصر دائمًا على الرؤيا بالأبيض والأسود ، فما هي الألوان التي قد تغفلها ، وكيف سيفيدك ذلك إذا كنت ترى بمنظار حدّي؟
تتحدث الفلسفات الشرقية، وكذلك بعض المفكرين النفسيين الغربيين مثل كارل يونغ ، عن كيفية احتضان الشخصية السليمة للتفاعل والتوازن بين القوى الداخلية المتعارضة، مثل الحب والكراهية والقوة والخضوع والسعادة والحزن.
نصبح راكدين ومحبوسين ومحدودين في طريقة تفكيرنا وشعورنا وإدراكنا عندما نكتفي بمصدر محدود من المعرفة.
إن السماح لأنفسنا بالانفتاح على التعبير عن القوى المعارضة للأسلوب التقليدي للمعرفة، يؤدي إلى رؤى جديدة ومجال رؤية أوسع.
يمكن أن تصفها الفلسفة الديالكتيكية بأنها تحدّي فرضية مع فرضية مضادة من أجل الوصول إلى حقيقة أعلى، تجمع أفضل الرؤى لهذه الآراء المتعارضة.
اللغة البصرية تحرض عضلاتك الفنية والتقنية والمفاهيمية من خلال تنشيط واستقطاب عقلك إلى التفكير الحر.
إذا أردت أن تكون فريداً، فعليك أن تنوع طرق معرفتك.
لكل إنسان شخصية وحياة فريدة.
تعكس الرؤية البصرية للفرد دائمًا شخصيته وحياته، لذلك ، الفهم البصري للفرد دائمًا فريد من نوعه.
بكل بساطة، إذا كنت تريد أن تكون ملموسًا بصرياً ، فإن صورة كل شخص تختلف عن الآخر، أيضاً تبدو الرؤيا البصرية لكل شخص مختلفة. عن الآخر.
يتعلق الأمر برؤيتك أنت وكيف تعبّر عنها.
ربما تكون الحقيقة في مكان ما بين وجهتي النظر هاتين.
بالنسبة لأولئك الناس الذين يسعون للعثور على حسّهم الفني في اللغة البصرية ، فإن التحدي لا يتعلق بفعل شيء لم يفعله أي شخص آخر.
يكمن التحدي في معرفة من أنت وما هو مهم بالنسبة لك وإتقان المهارات التي تساعدك على التعبير عنه.
الركود يعني المحدودية، يعني الرتابة يعني التفكير ضمن أطر محددة.
من يكسر الرتابة هم من يروا الصورة المجردة إمّا في الطيبعة، أو في خيالهم، فالخيال صور.
أخرج من الركود إفتح عينيك لترى، لكن بزوايا مختلفة وبكل الإتجاهات.
إذا فعلت، فأنت تعرف وتعرّف بشكل مجرد وحر.
إن النشاط البشري وتعقيداته، أصبح بحاجة ماسة لتوسيع معارفه ومداركه وسرعة استيعاب الأشياء أضعاف ماكان في القرن السابق، لذلك هو بحاجة للغة مرنة سهلة وسريعة للفهم بدون تأويل وهذا ماتعجز عنه اللغة الكلاسيكية، لذلك لابد من تعلم اللغة البصرية، وخاصة أننا نستقي منها 95% من معلوماتنا الحسية كما ذكرت.
فلك أن تتخيل بعد الآن ماذا يعني ذلك؟
إدراكك البصري هو المفتاح العصري لحل المعضلات وفتح آفاق جديدة للتطور وإيجاد الحلول وللإرتقاء ثقافياً وفنياً وجمالياً،
هو الحل الرئيسي حالياً لامحالة، للسمو الإنساني ورقي البشرية.